السبت، 8 أغسطس 2009

وداع ..(5)

تجتمع مها و حنان كما اعتادتا في (( الكفتيريا )) في أول الصباح الباكر وقبل المحاضرة لطرد ما تبقى من نعاس يداعب اجفانهما عن طريق احتساء كوب من القهوة تضيف عليه حنان قليلا من الشكوكولاته المطحونه لتستلذ بكل رشفة من رشفاته الحارة .. قطعة صغيرة من كعكة الكاكاو تشتهيها مها احيانا لتأكلها بكل انسجام مع كوب القهوة الباردة التي تفضلها و التي تشربها دائما و كأنها أحد الطقوس اليومية التي يجب ان تمارس قبل الصعود للطابق الأول قاعه 123 لحضور محاضرة اللغة الانجليزية .. تحمل حنان حقيبتها البنية المصنوعة من الجلد الطبيعي على كتفها الأيمن و تحمل بين ذراعيها مجموعة الكتب و المذكرات الخاصة بالمحاضرات الدراسية .. وتتجه هي و مها الى حيث المحاضرة .. تلقيان التحية و تتبادلان الضحك و الحديث مع من يلقيان في الطريق من الأصدقاء .. يصلان لقاعة المحاضرة و لازالت في الوقت متسع .. تقريبا 20 دقيقة حتى بداية المحاضرة حنان تعالي لنجلس داخل القاعة الدراسية فهناك موضوع مهم جدا يجب أن اخبرك به .. موضوع مهم وجدا .. ماذا يا ترى .. يبدو انك مخطوبة يا مها .. !! وتضحك حنان و تشاطرها مها الضحك ايضا .. لا ليس الأمر كذلك .. هيا ابدئي الموضوع سريعا .. فانا لا احب المقدمات و اكره اسلوب التورية هيا يا مها .. فانا ما بين خوف و لهفة لمعرفة ما يطلقه لسانك الان .. تضحك مها بشدة ضحكة تجعل جميع من في القاعة يلتفت باستغراب .. !! حسنا لا تستعجلي ساتيك بالخبر .. الم احدثك في بداية السنة الدراسية عن رغبتي الجامحة لدراسة الهندسة في بريطانيا ولكني قلت لك ان هذا من سابع المستحيلات .. فالقبول في الجامعة التي اريد صعب جدا..ممممم .. لا اتذكر و لكن اكملي ثم ماذا .. (تجيب حنان )
تنظر مها في عين زميلتها جيدا و تخبأ في اعماقها سعادة غامرة لا تكاد توصف .. بينما تنظر حنان الى مها بعينان وجلتين تحتبس فيهما الدموع .. واخييييييييييرا .. لقد تلقى والدي طلبا من أحد الشركات العالمية للعمل هناك وقدمت له الكثير من الامتيازات و منها دخولي في أحد الجامعات في بريطانيا ليست الجامعة التي اطمح ولكنها قريبة منها من حيث القوة و الشهرة (: .. وترتسم على وجه مها ابتسامه سعادة و فرح .. بينما تلتزم حنان الصمت و الشرود .. سنعيش هناك ربما لمدة 10 سنوات و من المحتمل ان تستمر لأكثر من ذلك ..!! ((:

:
:

جمعتني بك الأيام على غير سابق موعدٍ للقاء ..

و قد كان بالنسبة لي احلى لقاء..

ثلاثة اشهر تقريبا اراها اليوم وكأنها ثلاثة دقائق فقط او ربما ثوان..

شريط الذكريات يقهرني
يقطعني .. يصر على ان يرغم دموعي على السيلان .. !!

ها قد أوشك الفصل الدراسي الأول على الانتهاء .. و ها قد قاربت رحلتك على الابتداء

وكما جمعتنا الأيام في أجمل لقاء .. هاهي اليوم تجبرنا على الافتراق

فبعد ان صافحتك مصافحة اللقاء الذي اشرقت فيه وجوهنا بالابتسامة ..

اصافحك اليوم مصافحة المودع لتعلو وجوهنا الدموع .. !!

مها ستذهبين وتتركيني وحيدة الا من الذكريات ..

سأصاحب الدموع و اصارع الوحدة !
سأذهب للجامعة لوحدي ..

و أجلس لانتظار المحاضرة لوحدي .. و أذهب للكفتيريا لاكل لوحدي


و ادرس للامتحانات لوحدي .. و اذا تعسر علي أمر أو ضايقني سأرفع سماعة الهاتف

لأسمع صوت الوحده يلاحقني
من جديد ..

مها وفقك الله في دراستك .. و سيظل قلبي مرهفا حتى يتجدد اللقاء ..

مها .. أحبكِ

صديقتك : حنان


:


تنتهي حنان من كتابة الرسالة التي سترفقها مع علبة وردية صغيرة ملأتها بالحلويات التي تحبها مها .. تضعها على المنضدة القريبة من سريرها .. تطفئ جميع انوار الغرفة و تتجه نحو السرير..وعلى الوسادة تتساقط قطرات الدموع بهدوء .. و صوت نحيب خافت يتسلل من اسفل ذلك الغطاء الأزرق الذي تلتحفه حنان ..

:

في حفلة وداعية صغيرة تقيمها زميلات مها وحنان في الكلية ويحضرها جميع الزملاء لتوديع مها بعد تقديمها الامتحان الاخير في مادة
علم المنطق .. الكل يصافح مها بحرارة ويلقي عليها كلمات الثناء و يتبعها بكلمة
حقا سنفتقدك .. الاجواء منتعشة بالضحك و الغبطة لمها لأنها ستكمل دراستها في بلد الضباب بريطانيا و ستعيش هناك مدة ليست بالقصيرة .. تستقبل مها جميع هذه الكلمات و تلك الهدايا البسيطة بابتسامة عريضة للغاية .. وسرور لا يوصف .. تتجه الأنظار بعد السلام على مها نحو حنان و بنبرة اخرى حزينة : حقا ستفتقدين مها يا حنان.. !! تحاول حنان ان تثبت على غموضها و ان تكتم جميع احساساتها التي تخنقها و تقهرها من الداخل.. الدموع ..الألم .. الحزن .. تحاول ان تواريها بابتسامة مصطنعة او ضحكة صاخبة لتوصل رسالة لجميع العقول و القلوب التي تعزيها بفقد مها و تبين للجميع انها ثابتة و قوية و لن تهزها لحظة الفراق بسهولة .. فبعد مها ألف صديقة اخرى .. !!!

نظرات غريبة كانت تلاحقها من بعيد .. و كأنها تقول وبكل اصرار : حنان انتي في قمة الانكسار و الضعف.. انها نظرات خالد التي
يرسلها من بعيد ..
تحاول مها تجاهلها بشدة ولكنها تصر على الملاحقة .. ومن بين تلك الأجواء الصاخبة بالضحك و الحديث المتنوع بين جميع الزملاء في الفصل يقتنص خالد فرصة شرود حنان ليبادلها الحديث .. يحاول الدخول لها من باب الأحاديث الدراسية و الصعوبات التي واجهاها في دراسة مادة علم المنطق و بعدها بدأ يعرج خالد بالحديث ليتكلم عن مها و كيف ان الجميع سيفتقدها فاسترسلت حنان بالحديث و بدى خالد متجاوبا بشكل كبير و كأنه يلمح لها انه يفهم شعورها جيدا رغم انها تحاول كتمانه.. لأول مرة تشعر بشعور غريب نحو زميل الدراسة خالد .. في لحظة ضعف قاتله هو الوحيد الذي استطاع ان يتسلق جميع جسور الغموض في مشاعرها ليصل الى الحقيقة .. يعي شعورها جيدا بل ويحاول ان يشاطرها اياه كنوع من التخفيف عنها .. !! خالد لم يعد زميل دراسة فحسب بل هو اخ عزيز .. و ها أنا وفي احلك الظروف اجده تجاهي يشاطرني ويربت على قلبي المنكسر بهدوء .. شكرا خالد .. شكرا لأنك هنا وفي هذه اللحظة بالذات .. !!

بهذه اللهجة كانت حنان تخاطب نفسها في أعماقها في لحظة صمت .. و تتبعها بنظرة امتنان و انكسار في الوقت ذاته لترمق خالد بخجل شكرا جزيلا خالد لأنك تفهمني في هذه اللحظة بالذات .. !!

:
:

تتعانقان في اخر عناق لهما .. ! وتختلط دموعهما على الخدود وتمتزج المشاعر .. تتفرق الايدي وتبتعد الأجساد تدريجيا .. و تخطو اسرة مها خطواتها الاخير نحو صالة المغادرون تقف حنان تكفكف دموعها بينما تحاول دانية ان تهدأ من بكاءها و تداعبها احيانا ببعض العبارات لعلها تستطيع ان تخفف عنها ..

:

شعور بالوحدة و الفراغ يكاد يخنق حنان .. خواء روحي و ألم عميق و احاسيس مختلطة شعور بالضياع و اخر بالضيق .. غريب كل هذا خلفه فقد مها .. هل فعلا كانت مها كل شيء في حياتي.. ! مع ان فترة احتكاكي بها لم تكن بالطويلة .. لكنها كانت تشاطرني كل شيء ،، طريقتي في اللباس مساحيق الوجه التي اضعها ،، دراستي ،، ندخل للجامعة سويا و نخرج منها سويا ،، لقد اصبحت مها الاخرى و كأن شخصيتي قد مسخت .. !! اصبحت تمثال مها الذي يتحرك معها ،، حتى قيمي التي كنت أحملها تبدلت .. !! و الان وما ان سافرت مها وغابت حتى بدأ تمثالي بالاهتزاز حتى الانكسار .. !!!

انا محطمة .. انا غبية .. غبية ..

تبكي حنان وتنتحب بشدة و تتفجر في اعماقها مكامن الشجن و تشتد النزاعات الخامدة بين قلبها و ضميرها ..شعور باليأس
واخر بالضعف .. و اخر بالاحباط .. ومن بين كل تلك الصراعات المحتدمة و الدموع السياله و المشاعر المحبطة .. تصلها رسالة هاتفية تمد يدها بلهفة نحو الهاتف فلعلها مها تريد ان تخبرها ان الطائرة قد تعطلت عن العمل او ان الاسرة تراجعت عن القرار
او..

في الشاشة الرئيسية يظهر اسم المرسل ..

(( خالد-علم المنطق ))

هكذا قد حفظت رقم هاتفه النقال قبل شهر تقريبا عندما استعارت منه احدى مذكراته

التي يلخص فيها الدروس ..

ترتجف يدها .. تتسارع دقات قلبها .. تتسابق الأفكار الى ذهنها ..

خـــالد .. وفي هذا الظرف القاهر ..!

ماذا تحتويه رسالته الهاتفية يا ترى ..!!!



sara al.marzouq


هناك 8 تعليقات:

:: بـوح الصمـت :: يقول...

بسررررررعه شنو المسج (: !؟

ناطرين :)

إشتطيت حدددي لوول .. لا تطولين *_*

The.One يقول...

تبكي حنان وتنتحب بشدة و تتفجر في اعماقها مكامن الشجن و تشتد النزاعات الخامدة بين قلبها و ضميرها ..


ماشاءالله عليكِ :)
وصف درر وكلمات قمة والقصة أروع وأروع
وكل جزء احلى من الثاني
بأنتظـار المسج الموعود


شكرا

بصمة منـــارية (: يقول...

مرحبا بوح ((:

ساتيكم بالخبر قريبا جدا باذن الله ((:

__________________________________

مرحبا بالتي تأتي دائما بالدرر (:

مرحبا the one

شكرا لروعتك (:

مـــروة كمــال يقول...

أتابع بشغف ..

بدر الدجى يقول...

اترقب الباقي بلهفه
جوزيتي خيراا اختاه تعبير جميييل

بصمة منـــارية (: يقول...

مروة كمال ..

يسعدني وجودك عزيزتي ..(:

_______________________________

بدر الدجى ..

يسعدني وجودك .. و من بين اوقاتي المزدحمة احاول احاول ان اتابع الأحداث .. قريبا باذن الله

Qanoonya~6moo7a يقول...

السلام عليكم و رحمة الله


القصة رائعة قرأت جميع الأجزاء
و "متشوقة" لقراءة ما تبقى منها ..


كعادتكِ مبدعة ما شاء الله
تبارك الرحمن ، و بإنتظار المزيد المزيد من
روائع قلمكِ الراقي المميز ..
(^_^)


* * *

و مبارك عليج الشهر =)
و تقبل الله منا و منج صالح الأعمال

بصمة منـــارية (: يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

مرحبا حبيبتي منال كيف حالك (:

جزيتي خيرا ..

اعاده الله علينا وعليكم و المسلمين بالخير و اليمن و البركات (: